بقلم الاخ اشرف احسان فقيه
لم يتغير الحال كثيراً منذ الحقبة الجهادية وحتى حقبة التشبيك الاجتماعي.. دائماً كانت هناك هبّات شعبية متعاطفة مع جراحات العالم الإسلامي هنا وهناك. على الـ (فيس بوك) بات يحلو للشباب والشابات استبدال صور (بروفايلاتهم) بشعارات من قبيل “كلنا غزّة“. هكذا كان الحال في الشتاء الماضي؛ وهذه الأيام تنتشر تصاميم زرقاء لطيفة تحمل عبارة “كُلّنا تركستان” على الصفحات الشخصية. وهذه -في الأصل- بادرة طيبة بل ومطلوبة.. أن يتداعى الجسد المسلم هكذا لبعضه البعض. كما وأنها بادرة مبشرة بالخير، لأنها تدل على أن شبابنا واعون لمستجدات الأخبار لاسيما تلك المتعلقة بالشعوب المسلمة.
لكن .. وعلى الصعيد نفسه كما يقول مذيعو الأخبار.. فإن النفاق هو خصلة مذمومة شرعاً. هو والرياء والكذب الاجتماعي أيضاً. لا يمكننا طبعاً أن نتهم كل من يبدي التعاطف مع مأساة مسلمي تركستان الشرقية بأنه منافق. لكننا سننظر لمجتمعنا السعودي تحديداً.. على ما فيه من مظاهر التعدد في أعراقه وإثنياته وأصوله.. والذي تتصاعد فيه أيضاً وبحدة نبرات عنصرية لا يخطئها الحدس. وسنتساءل على ضوء هذا وذاك.. نسأل بالذات أولئك الذين يعلقون بفخر وأريحية الشعارات الجميلة سماوية اللون التي تتوسطها عبارة “كلنا تركستان“.. هل أنتم متأكدون؟ احلفوا رجاءاً!
كم مواطناً سعودياً من أصل تركستاني بالمملكة؟ هذا السؤال على بساطته وقلة كلماته يكاد يحدث فرقعة ذات دوي. لأنه يتناول بمباشرة فجة محظوراً هو شبه (تابو) في المجتمع.كما وأنه يقر ويؤكد على حقيقة بدهية يصر جمهور عريض من (المواطنين) على نسفها أو المرور بمحاذاتها دون التفات. لكن يبقى السؤال المرتهن بمقتضى العبارة الكبرى التي يرفعها شبابنا وشاباتنا بحبور في عصر العولمة الإلكترونية هذا.. “كلنا تركستان“ تقولون؟ ما معنى هذه العبارة؟ تعني أن ما يصيب المسلم التركستاني يصيبكم مثلاً؟ أنكم –مثلاً- متضامنون مع الشعب الأيوغوري في محنته، ومستعدون لمقاطعة بضائع الصين للتدليل على اللُحمة التي تربطكم مع مسلمي (سينكيانغ).. هل كان هذا قصدكم؟ هذا –بحق- قصد نبيل.. لاسيما وأن آلاف وآلاف الكيلومترات تفصل ما بين السعودية وتركستان، وتفصل بينهما كذلك عوائق من اللغة والتراث المحلي، ورواسب عقود من القمع خلف الستار الشيوعي.
إنما هذا كله لم يكفِ على ما يظهر لتخفيف حدة الرابط الوجداني بين شبابنا والتركستاني الصيني، ولا التركستاني السوفيتي قبله.. ويبقى السؤال معلقاً بخصوص التركستاني السعودي الذي هو بين ظهرانينا.. هل هذه عبارة مفيدة؟
لنقرَّ –بدءاً- بأن هناك نوعاً من القرّاء سيقاوم ابتسامة ساخرة عريضة تجاهد لترتسم على شفتيه وهو يطالع العبارة (تركستاني سعودي). نوع آخر قد يتمعّر وجهه وتنتفخ أوداجه ويتملكه شعور بالعار.. ليس لأن مفهوم “المواطنة” عنده يقتضي إذابة كل الفوارق في بوتقة الوطن الواحدة.. ولكن لأن إضافة أي (ملحق) آخر لكلمة “سعودي” هو بمثابة السبة عنده. بمثابة الانتقاص لتلك القيمة الكاملة والنقية. في ميزان مواطنة هؤلاء فإن وجود (شوائب) في الصفة السعودية هو بمثابة القدح في كمالها. والجواب الأبسط –عند هؤلاء- بخصوص سؤالنا العتيد أعلاه هو أن ثمة شخص، موزع بين انتمائين، ليس سعودياً.. ليس واحداً أصلياً! هكذا بكل بساطة!
وهذه لا ينبغي أن تكون معلومة صادمة. إنها ممارسة حقيقية مشاهدة عياناً. وقيمة راسخة في وجدان الناس وعقولها. ليس الكبار الذين هم في أراذل أعمارهم ولا الأميين الذين لم يكن لهم من سهم التنور والتفتح على الدنيا نصيب.. بل بما في ذلك الشباب والجامعيون المثقفون و “المتعلمون“. هؤلاء أيضاً يعيشون وهم نقاوة الجنس السعودي، واعتيال بقية الأجناس الملحقة به عليه. إنهم كذلك يعيشون وهم فساد ذلك الجنس الـ “غير أصيل“، وانتقاصيته الأصيلة كونه قد لفظه البحر يوماً على شواطئنا.. أو غفلت عن استرداده قافلة حج ذات موسم مضى! هكذا بكل حمق وجهل.. بكل انتهاك لقائمة المشاعر الإسلامية سالفة الذكر.. وبدون أي اعتبارية لعالمية المدن المقدسة والتي كرستها هجرة سيدنا إبراهيم عليه السلام منذ آلاف عدة من السنين. هل يوجد هذا الكلام في أي من مقرراتنا الدراسية يا تُرى؟
كم سعودياً من أصل تركستاني بالمملكة؟ كم هم بين وكلاء الماركات التجارية العتيدة في أسواقنا؟ هل كان رئيس التحرير المكلف لهذه الجريدة سابقاً واحداً منهم؟ هل يتواجد أي منهم تحت قبة مجلس شورانا، أو في أي من مراكز صنع قرارنا؟ هل نحن واعون بتشكيلة ثقافتنا المنوعة وفخورون بها.. قبل أن ننساق وراء الهبّة العاطفية..ونجرؤ على تعليق (بادج) تركستان الأزرق؟!
في الختام أحب أن أؤكد لكم –حالفاً بالله- أني لست من أصل تركستاني!